فصل: المقصد الثاني من المصطلح المستقر عليه الحال من المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية في المكاتبات إلى ملوك الغرب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.المهيع الرابع في المكاتبة إلى صاحب الهند والسند:

وقد ذكر في التعريف: أن صاحبه في زمانه كان اسمه أبا المجاهد محمد بن طغلقشاه. ثم قال: وهو أعظم ملوك الأرض شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، وبراً وبحراً، وسهلاً وقفراً؛ وأن سمته في بلاده الإسكندر الثاني ثم قال: وتالله إنه يستحق أن يسمى بذلك ويوسم به: لاتساع بلاده، وكثرة أعداده، وغزر أمداده؛ وشرف منابت أرضه، ووفور معادنه، وما تنبته أرضه، ويخرجه بحره. ويجبى إليه، ويرد م التجار عليه. وأهل بلاده أمم لا تحصى، وطوائف لا تعد. ثم حكى عن قوم ثقات منهم قاضي القضاة سراج الدين الهندي الحنفي، وهو يومئذ مدرس البيدمرية بالقاهرة، والتاج البزي، والشيخ مبارك الأنبايتي: أن عسكر هذا السلطان نحو التسعمائة ألف فارس، وعنده زهاء ألفي فيل يقاتل عليها، وخلق من العبيد تقاتل رجالة مع سعة الملك والحال، وكثرة الدخل والمال، وشرف النفس والإباء، مع الاتضاع للعلماء والصلحاء؛ وكثرة الإنفاق، وعميم الإطلاق؛ ومعاملة الله تعالى بالصدقة، وإخراج الكفاية للمرتزقة؛ بمرتبات دائمة، وإدارات متصلة؛ بعد أن حكى عن رسوليه دميرخوان وافتخار ما قال: إنه لو سكنت النفوس إلى براءتهما من التعصب فيه لحكى منه العجائب، وحدث عنه بالغرائب؟ ثم ذكر أنه أرسل مرة مالاً برسم الحرمين وبيت المقدس، وهدية للسلطان تزيد على ألف ألف دينار؛ فقطع عليها الطريق باليمن، وقتل محضرها بأيدي مماليك صاحب اليمن، لأمر بيت بليل؛ ثم قتل قاتلوه، وأخذ أهل اليمن المال وأكلوه؛ وكتب عن السلطان إلى صاحب اليمن في هذا كتاب منه، وقد عددت عليه فعلته، وقيل فيه: وفعل ما لا يليق، وأمسى وهو يعد من الملوك فأصبح يعد من قطاع الطريق. وقد سبق في الكلام على المسالك والممالك من عظيم هذه المملكة وعظم قدر رجالها ما فيه كفاية عن الإعادة.
قال في التثقيف: ورسم المكاتبة إليه رسم المكاتبة إلى القانات الكبار المقدم ذكرهم، في هيئة الكتاب وما يكتب به والطغراة والخطبة. وألقابه المقام الأشرف، العالي، المولوي، السلطاني، الأعظمي، الشاهشاهي، العالمي، المجاهدي، المرابطي، المثاغري، المظفري، المؤيدي، المنصوري، إسكندر الزمان، سلطان الأوان، منبع الكرم والإحسان، المعفي على ملوك آل ساسان، وبقايا أفراسياب وخاقان، ملك البسيطة، سلطان الإسلام، غياث الأنام؛ أوحد الملوك والسلاطين ويدعى له. قال: ولم يكتب إليه في ذلك الوقت لقب ينسب إلى الخلافة نحو خليل أمير المؤمنين وما يجري هذا المجرى، إذ كان قد بلغنا أنه يربأ بنفسه إلى أن يدعي الخلافة، ويرى له فضل الإنافة.
قلت: مقتضى ما ذكره في التعريف حيث قال: إن رسم المكاتبة إليه رسم المكاتبة إلى القانات الكبار في هيئة الكتاب وما يكتب به، والطغراء والخطبة، أن المكاتبة إليه تفتتح بخطبة مبتدأ بـ الحمد لله كما تقدم في افتتاح المكاتبات إلى القانات. والذي ذكره في التثقيف: أن المكاتبة إليه تكون في قطع البغدادي الكامل بالذهب والأسود، كما جرت العادة به، يعني في كتب القانات، إلا أنه جعل رسم المكاتبة إليه: أعز الله تعالى أنصار المقام، العالي، السلطاني، العالمي، العادلي، الملكي، الفلاني. ثم قال: وهذه الألقاب سطران كاملان وبينهما بيت العلامة على العادة، وبعد السطرين المذكورين في الجانب الأيمن من غير بياض أبو المجاهد محمد ابن السلطان طغلقشاه زيدت عظمته. ولا يذكر لقبه. والدعاء، والعلامة أخوه. وتعريفه: صاحب الهند. وقد رأيت تصويره في بعض الدساتير على هذه الصورة: أعز الله تعالى أنصار المقام العالي بيت العلامة السلطاني، العالمي، العادلي، الملكي، الفلاني قال في التعريف: والعنوان جميعه بالذهب وهو سطران، وتعريفه: صاحب الهند. وبقية الكتاب بالسواد والذهب أسوة القانات؛ وبه يشعر كلام التعريف فيما تقدم.
وهذا دعاء معطوف وصدر يليق به، ذكره في التعريف وهو: ولا زال سلطانه للأعداء مبيراً، وزمانه بما يقضي به من خلود ملكه خبيراً، وشأنه وإن عظم يتدفق بحراً ويرسي ثبيرا، ومكانه- وإن جل أن يجلببه مسكي الليل- يملأ الأرجاء أرجاً والوجود عبيراً، وإمكانه يستكين له الإسكندر خاضعاً وإن جاز نعيماً جماً وملكاً كبيراً، ولا برحت الملوك بولائه تتشرف، وبآلائه تتعرف، وبما تطبع مهابته من البيض ببيض الهند في المهج تتصرف. المملوك يخدم بدعاء يحلق إلى أفقه، ويحل العلياء والمجرة في طرقه، ويعدي منه ما يعتدل به التاج فوق مفرقه، ويعتد له النجم ولا يثنيه إلا وسادة تحت مرفقه؛ ويسمو إلى مقام جلاله ولا يسأم من دعاء الخير، ولا يمل له إذا ملت النجوم عن السير؛ ولا يزال يصف ملكه المحمدي بأكثر مما وصف به الملك السليماني، وقد قال: وأوتينا من كل شيء، وعلمنا منطق الطير.
قلت: وهذا الدعاء المعطوف مما يؤكد ابتداء المكاتبة بالدعاء، خلافاً لما تقدم أنه مقتضى تصوير كلامه في التعريف.
واعلم أن في هذه المكاتبة على ما ذكره في التعريف: شيئين قد خالف فيهما قاعدة المكاتبات عن الأبواب السلطانية.
أحدهما- إتيانه في التعريف: في ألقابه بالمولوي. والثاني- قوله في الصدر المتقدم الذكر: المملوك يخدم. فقد ذكر صاحب التعريف في كتابه عرف التعريف: أن السلطان لا يكتب عنه في العلامة: المملوك وإنما خالف القاعدة في ذلك هنا تعظيماً لمقام المكتوب إليه وإعلاء لرتبته، حيث قال في أول كلامه: إنه أعظم ملوك الأرض على ما تقدم ذكره، فعبر عن مقامه بما يليق به، وخاطبه بما يليق بخطابه، كما تقدم أنه كان يكتب إلى أبواب الخلافة المملوك أو الخادم ينتهب ثرى الأعتاب أو يقبل الأرض ونحو ذلك تعظيماً لمحل الخلافة، لا سيما وقد تقدم أن صاحب الهند حينئذ كان يدعي الخلافة، إلا أن نظام هذا الملك قد اختل ونقص عما كان بموت السلطان محمد بن طغلقشاه حين توفي، واستقر مكانه ابن خالته فيروزشاه.
ولعل المكاتبة التي ذكرها في التثقيف: إنما رتبت على حكم ما كان في أيامه بعد ذكر المكاتبة المذكورة، بعد أن ذكر أن محمد بن طغلقشاه مات وقام فيروز شاه مقامه، إلا أنه مثل المكاتبة المذكورة بمحمد بن طغلقشاه، وفاقتضى أن يكون هو المعني بالمكاتبة. ثم تفرقت المملكة بعد ذلك في سلطانين، فيما أخبرني به بعض أهل الهند؛ ثم تزايد نقصها بعد أن غزا ها تمرلنك وغلب عليها؛ ثم نزح عنها. وبكل حال فلا ينبغي أن يقصر بصاحب الهند عن رتبة القانات. ولم أقف على نص مكاتبة كتب بها إلى صاحب الهند فأذكرها.

.المقصد الثاني من المصطلح المستقر عليه الحال من المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية في المكاتبات إلى ملوك الغرب:

وفيه أربع جمل:

.الجملة الأولى في المكاتبات إلى صاحب أفريقية:

وهو صاحب تونس وتنضم إليها بجاية وقسنطينة تارة وتنفر عنها أخرى.
وقد تقدم في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك نقلاً عن التعريف: أن حد هذه المملكة غرباً من جزائر بني مزغنان إلى عقبة برقة الفارقة بين طرابلس وبين برقة، وهي نهاية الحد الشرقي؛ ومن الشام البحر؛ ومن الجنوب آخر بلاد الجريد والأرض السواخة؛ إلى ما يقال إنه موقع المدينة المسماة بمدينة النحاس. ثم قال: وهو أجل ملوك الغرب مطلقاً.
وقد تقدم هناك أيضاً ذكر حال مملكتها ومن ملكها جاهلية وإسلاماً، وأنها كانت قبل الإسلام بيد البربر حين كان معهم جميع المغرب؛ ثم انتزعها منهم الروم والفرنج إلى أن انتهت حال الفتح الإسلامي إلى جرجيس ملك الفرنج في جملة ممالك المغرب، ودار ملكه يومئذ سبيطلة، إلى أن فتحت في خلافة عثمان رضي الله عنه على يد عبد الله بن أبي سرح، وتوالت عليها نواب الخلفاء، وصارت دار المملكة بها القيروان حتى صارت منهم إلى بني الأغلب ثم إلى العبيديين بني عبيد الله المهدي؛ ثم الموحدين أصحاب المهدي بن تومرت، وهي بأيديهم إلى الآن، وهي مستقرة الآن بيد الحفصيين منهم، وهم يدعون النسب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيقولون: أبو حفص عمر بن يحيى بن محمد بن وانود بن علي بن أحمد بن والال بن إدريس بن خالد بن اليسع بن إلياس بن عمر بن وافتن بن محمد بن نجية بن كعب بن محمد بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. وباعتبار ذلك القائمون بها من بني أبي حفص يدعون الخلافة، ويدعى القائم منهم في بلاده بأمير المؤمنين، وربما كاتبه بها بعض ملوك المغرب. قال في التعريف: ومن أهل النسب من ينكر ذلك، ويجعلهم تارة بنسب إلى عدي بن كعب: رهط عمر بن الخطاب دون بني عمر. ومنهم من ينسبهم إلى هنتاتة من قبائل البربر بالمغرب، وهي قبيلة عظيمة مشهورة.
وهي الآن إلى حدود الثمانمائة بيد السلطان أبي فارس عزوز؛ وقد دوخ البلاد وأظهر العدل ورفع منار الإسلام. وقد ذكر في التعريف: أن السلطان بها في زمانه كان المتوكل على الله أبو يحيى أبو بكر.
ورسم المكاتبة إليه فيما ذكره في التعريف: أن يكتب بعد البسملة. أما بعد حمد الله بخطبة مختصرة في مقتضى الحال، ثم يقول فهذه المفاوضة، أو النجوى، أو المذاكرة، أو المطارحة، أو ما يجري مجرى ذلك، تهدي من طيب السلام ومن هذا ومثله إلى الحضرة الشريفة، العلية، السنية، السرية، العالمية، العادلية، الكاملية، الأوحدية، حضرة الإمارة العدوية، ومكان الإمامة القرشية، وبقية السلالة الطاهرة الزكية، حضرة أمير المسلمين، وزعيم الموحدين، والقائم في مصالح الدنيا والدين، السلطان السيد الكبير، المجاهد، المؤيد، المرابط، المثاغر، المظفر المنصور، المتوكل على ربه، والمجاهد في حبه، والمناضل عن الإسلام بذبه، فلان؛ ويدعى له بما يناسب مختصراً، ثم يذكر ما يليق بكرم الحدود.
صدر آخر- من التعريف أيضاً: صدرت إليه تهدي إليه من طيب السلام ما ترق في جانبه الغربي أصائله، ويروق فيما ينصب لديه من أنهار جدأوله، ويحمله لكل غاد ورائح، وتجري به السفن كالمدن والركائب الكلائح؛ وتخص ذلك المقر منه بثناء يعز لأن ينيب لبعده الدار، ويستطلع ليل العراق به من فرق أفريقية النهار؛ وتحامي مصر عن جارتها الممنعة، وتفخر بجاريتها الشمس التي لا ترى في أفقها إلا مبرقعة.
ولم يذكر في التعريف قطع الورق، ولا العنوان، والخاتمة، والعلامة، وما في معنى ذلك. والذي ذكره في التثقيف: أن رسم المكاتبة إليه في قطع الثلث بقلم التوقيعات، نظير ما كتب به لصاحب فاس؛ وهو أن يكتب بعد البسملة بحيث يكون تحتها سواء في الجانب الأيمن من غير بياض ما مثاله عبد الله ووليه ثم يخلى مقدار بيت العلامة؛ ثم تكتب الألقاب الشريفة من أول السطر مسامتاً للبسملة. وهي السلطان، الأعظم، المالك، الملك، الفلاني، السيد، الأجل، العالم، العادل، المؤيد، المجاهد، المرابط، المثاغر، المظفر، الشاهنشاه- وهذه تختصر غالباً- ناصر الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، منصف المظلومين من الظالمين، وارث الملك، سلطان العرب والعجم والترك؛ فاتح الأقطار، مانح الممالك والأقاليم والأمصار، إسكندر الزمان، مولي الإحسان، جامع كلمة الإيمان، مملك أصحاب المنابر والتخوت والتيجان، ملك البحرين، مسلك سبيل القبلتين، خادم الحرمين الشريفين، ظل الله في أرضه، القائم بسنته وفرضه؛ سلطان البسيطة، مؤمن الأرض المحيطة؛ سيد الملوك والسلاطين، ولي أمير المؤمنين، أبو فلان فلان، ابن الملك الفلاني فلان الدين والدنيا ويرفع في نسبه إلى منتهاه خلد الله سلطانه، ونصر جيوشه وأعوانه. ويجتهد أن يكون وأعوانه آخر السطر أو قريباً من آخره. قال: والواجب بدل ولي أمير المؤمنين قسيم أمير المؤمنين؛ ثم يقول: يخص الحضرة العالية، السنية، الشريفة، الميمونة، المنصورة، المصونة؛ حضرة الأمير العالم، العادل، العابد، المؤيد، الأوحد، فلان؛ ذخر الإسلام والمسلمين، عدة الدنيا والدين، ناصر الغزاة والمجاهدين، سيف جماعة الشاكرين، صلاح الدول، والدعاء بإهداء السلام والشكر. ثم بعد حمد الله بخطبة مختصرة جداً، فإنا نوضح لعلمه الكريم؛ وتعريفه: صاحب تونس.
قلت: وخطابه بالإخاء.
وهذه نسخة كتاب كتب بها عن الظاهر برقوق من إنشاء علاء الدين، وهي: بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله ووليه.
السلطان الأعظم المالك، الملك الظاهر، الأجل العالم العادل، المجاهد المرابط، المثاغر المؤيد، المظفر، سيف الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، منصف المظلومين من الظالمين، قامع الخوارج والمتمردين؛ وارث الملك، ملك ملوك العرب والعجم والترك، مبيد الطغاة والبغاة والكفار، مملك الممالك والأقاليم والأمصار، إسكندر الزمان، ناشر لواء العدل والإحسان، مليك أصحاب المنابر والأسرة والتخوت والتيجان، مالك البحرين، صاحب سبل القبلتين، خادم الحرمين الشريفين، ظل الله في أرضه، القائم بسنته وفرضه، سلطان البسيطة، مؤمن الأرض المحيطة، سيد الملوك والسلاطين، قسيم أمير المؤمنين؛ أبي سعيد برقوق خلد الله سلطانه، ونصر جنوده وأعوانه، وأفاض على العباد والبلاد جوده وإحسانه؛ تحية تتأرج نفحاً، وتتبلج صبحاً، وتطوي بعفها نشر الخزامى، وتعيد ميت الأشواق حياً إذا ما؛ تخص الحضرة العلية، السنية السرية، المظفرة الميمونة، المنصورة المصونة؛ حضرة الأمير العالم، العادل، المجاهد، المؤيد، الأوحد، ذخر الإسلام والمسلمين، عدة الدنيا والدين، قدوة الموحدين، ناصر الغزاة والمجاهدين، سيف جماعة الشاكرين، صلاح الدول، المتوكل على الله أحمد، ابن مولانا الأمير أبي عبد الله محمد، ابن مولانا أمير المؤمنين أبي بحيى أبي بكر، ابن الأمراء الراشدين، أعز الله دولته وأذل عداته، وأنجز من صعود أوليائه وسعود آلائه صادق عداته.
بعد حمد الله جامع الشمل بعد تفريقه، راتق خلل الملك عند تمزيقه، والشهادة بأن لا إله إلا هو مبيد الباطل بحق سره وسر تحقيقه؛ والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله موضح سبيل التوكل على الله وطريقه. وإهداء سلام ما الزهر بأعبق من فتيقه، وثناء ما الروض بأعطر من خلوقه؛ فإننا نوضح لعلمه الكريم أن كتابه الكريم ورد ورود السنة على الجفن الساهر، أو المزنة على الروض الزاهر؛ أو الزلال على الأوام؛ أو البرء على السقام؛ فمددنا إليه يد القبول، وارتحنا له ارتياح الشمائل إلى الشمول، وملنا إلى مفاكهته ميل الغصون إلى الرياح، وامتزجنا بمصافاته امتزاح الماء بالراح؛ وفضضنا ختامه عن فضي كلامه، وذهبنا إلى ذهبي نثاره ونظامه؛ وتأملناه تأملاً كل نظر عبده وخادمه، ووقفنا عليه وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه؛ ونظمنا جواهر اعتباره فلا قلائد الأفكار، وصبونا إلى اختباره كما صبت النفوس إلى الادكار؛ وفتحنا له جهد الطاقة باباً من المحبة لم يغلق، ونقسم بمن خلق الإنسان من علق أنها بغير قلوبنا تعلق؛ فإذا سطوره جنوده مصطفة، أو قيان بها الحسان محتفة؛ وإذا رقمه طراز حلة، أو عقد شده البنان وحله؛ وإذا لفظه قد رق وراق، ومر بالأسماع فملأ بحلاوته الأوراق؛ وإذا معناه ألطف من النسيم الساري، وأعذب مذاقاً من الماء الجاري؛ وإذا سجعه يفوق سجع الحمائم، ويزري بالروض الضاحك لبكاء الغمائم؛ وإذا سلامه قد حيته الأزاهر، وطوي بعرفه نشر الروض الزاهر؛ وإذا هنأوه قد ملك عنان التهاني، واستمطر عنان الأمان من سماء الأماني؛ فعبر لنا لفظ عبيره عن معنى المحبة، وقرب شاسع الذكر وإن بعد المدى بين الأحبة؛ وأقام شاهد الإخاء على دعوى الإخلاص فقلبناه، ونادى مطيع المودة فاسجبنا له ولبيناه؛ سقياً له من كتاب غذي بلبان الفصاحة، وجرى جواد التماحه من مضمار الملاحة؛ لا عيب فيه، سوى بلاغة فيه، ولا نقص يعتريه، سوى كمال باريه؛ لعمري لقد فاق الأواخر والأوائل، فما أجدر كلامه بقول القائل:
وكلام كدمع صب غريب ** رق حتى الهواء يكثف عنده!

راق لفظاً ورق معنى فأضحى ** كل سحر من البلاغة عبده!

لله دره من كتاب حلب در الأفراح، وجدد من أثواب المسرة ما كان قد أخلقته يد الأتراح؛ فهمنا معناه فهمنا، وشرحنا متن فحواه فانشرحنا؛ وعلمنا ما اتصل بسماعحكم من خبرنا العجيب، وحديث أمرنا القديم الغريب، الذي أظهر فبنا لله أسراراً، وكتب لنا منه عناية كبت بها أشراراً؛ جل جلالخ خافض رافع، معل بحكمته واضع؛ سبحانه أوجد بعد العدم وأنسى ثم أنشأ، قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشا؛ كسر وجبر، وقرن المبتدأ بالخبر؛ وهب ما كان سلب، وجعل لصبرنا حسن النمقلب؛ أعادنا إلى الملك مع كثرة الأعداء وقلة الأنصار، وأظهرنا بعد الخفاء فاعتبروا يا أولي الأبصار؛ وأبرز أبريزنا بعد السبك خالصاً يروق الناظر، ويفوق برونقه وجه الروض الناضر؛ فاعلموا أن لله في ذلك سراً خفياً، لم يزل ببركة رسوله صلى الله عليه وسلم بناً حفياً؛ قمتم لنا فيه بواجب الهنا، وأحاط بنا طولكم الطويل من هاهنا وهاهنا؛ فاستجلينا من كتابكم عرائس بشراه، وحمدنا عند صباح طرسه ليل مسراه؛ وشكرنا له هذه الأيادي التي تقصر عنها الأيدي المتطأولة، وثنينا إليكم عنان الثناء الذي فاق بمخايله الروض الأرض وخمائله.
ولما تمثل إلينا رسولكم المكرم، وصاحبكم الكامل المعظم، ذو الأصل الطاهر، والنسب الباهر؛ والرأي السديد، والبأس الشديد، فلان: لا زال علي مقامه حسناً، وجفن علمه لا يبعث الجهل عليه وسناً؛ فأبدى إلينا ما في وطابه، وأثلج الصدور بحكمة فضله وفصل خطابه، وأخذ بجاذبنا عنكم أطراف الأحاديث الطيبة، ويرسل علينا من سماء محبتكم مزنها الصيبة؛ وأطربنا بسماع أخبارمك، ونصر أعوانكم وأنصاركم؛ ونبه على ما أودعه كتابكم، وتضمنه منن النصرة خطابكم؛ ودوس جنودكم جزيرة غودش وعودهم بالمن والمنح، وتلاوتهم عند الانتصار {إذا جاء نصر الله والفتح} وقفولهم متفيئين من الجهاد بظله، فرجين بما آتاهم الله من فضله، بعد أن نعقت منهم على الكفار الغربان، واقتنصت الرجال آجالهم اقتناص العقبان، وجاءتهم كالجبال الرواسي، وظفرت بهم أظافير الرماة ومخالب المراسي، وغنت عليهم أوتار القسي فأرقصت رؤوسهم على الضرب، وسقتهم كؤوس الردى مترعة ونعم هذا الشرب لأولئك الشرب، وأعادت المسلمين بالغنائم إلى الأوطان بعد نيل الأوطار، وبشرت الخواطر بما أقر العيون من النجاح والنجاة من الأخطار؛ هذا والعدو الملقي السلم عند الجهاد، جيء بهم مقرنين في الأصفاد؛ يا لها غزاة أشرق نورها كالغزالة، وأشرق يوم إسلامها على ليل الكفر فأزاله، وتولد منها الجهاد فلا يرى بعدها إن شاء الله عقيماً، وتلا لسان الشوق إليه {يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً}. لا زالت رقاب الأعداء لأسيافكم قراباً، وغزواتكم الصالحة تنيلكم من الله أجراً وثواباً.
ولما عرضت علينا من جودكم عند العشي الصافنات الجياد، وحلينا منها بقلائد منها الأجياد، نقسم لقد حيرتنا، ألوانها إذ خيرتنا.
فمن أشهب- كأن الشهب له قنيصه، أو الصبح ألبسه قميصه؛ أو كأنما قلب من اللجين في قلب البياض، وسقي سواد أحداقه أقداح الرباحة من غير حياض.
ومن أدهم- كأن النقس لمسه في مداده، أو الطرف أمد طرفه بسواده؛ أو كأنما تقمص إهاب الليل، لما طلع عليه فج غرته فولى مشمر الذيل.
ومن أحمر- كأنما صيغ من الذهب، أو كون من النار واللهب؛ أو كأن الشفق ألقى عليه قميصه ثم أشفق، أو الشقيق أجرى عليه دمعه وجيبه شقق.
ومن أشقر- كأنما ألبس ثوب الأصيل، وبشر السرية يمن طلعته بالنصر والتحصيل؛ أو كأن النضار كساه حلقة العشاق، وقد ادرعوا بأسواق المحبة مطارف الأشواق.
ومن أخضر- كأنما تلفع من الروض الأريض بأوراقه، أو صبغ بالعذار المخضر وقد شقت عليه مرائر عشاقه؛ أو كأنما الزمرد تلوينه، أو من شارب الشادن تكوينه؛ كل بطرف منها يسبق الطرف، ويروق الناظر بالحسن الناضر والظرف؛ تقام به حجة الإعراض وهو باعتراف ممتطيه قادرملي، وينصب إلى الإدراك حسن السير كجلمود صخر حطه السيل من علي- فأسرجنا لها جود القبول، وامتطينا منها صهوة كل مأمول؛ وأعددناها مراكب للمواكب، ولليل المهمات الواقعة بدوراً وكواكب؛ وأطلقنا أعنة شكرها في ميادين المحامد، وطفقنا نرجع ذكرها بين شاكر وحامد.
مكاتبة وزير تونس:
رأيت في الدستور المنسوب للمقر العلائي بن فضل الله أنه كتب إلى أبي عبد الله بن بعلاص.
صدرت هذه المكاتبة إلى.......... الشيخي، الكبيري، العالمي، الفاضلي، الأوحدي، الأكملي، الأرشدي، الأمجدي، الأثيري، البليغي، الفلاني، مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الفضلاء، زين العلماء، نجل الأكابر، أوحد الأعيان، بركة الدولة، صفوة الملوك والسلاطين؛ ويدعى له بما يناسبه. وتوضح لعلمه المبارك كيت وكيت؛ ولم يذكر قطع الورق ولا العلامة ولا التعريف. والذي يظهر أن قطع الورق العادة، والعلامة أخوه. والتعريف وزير تونس.